فن المديح والسماع هو تراث حضاري إسلامي عريق يمتد لأكثر من أربعة عشر قرنًا، وهو سفر روحي وتأثير فني ووجداني عميق على كل مريد وسالك. بدأ ظهوره في عهد النبي الكريم، واستمر في التطور والتوسع عبر الأجيال، ليصبح أحد الوسائل التي تتسامى بها الروح وتتهذب من خلال تأثيره الفني والوجداني على المريدين.
الأصل في فن المديح والسماع هو امتداد لعالم الغناء والموسيقى، حيث يُؤدى عادةً بإنشاد فرد أو أكثر لقصائد لشيخ من مشايخ التصوف، بأصوات تترنح لها الأسماع وتتمايل لها الأجساد. ينتهي كل مقطع برد جماعي من المريدين، سواء بالتهليل أو بالصلاة على النبي المصطفى، بينما يستمر المنشد في تغيير الألحان بين حين وآخر.
تعود بدايات فن السماع والمديح بالمغرب إلى منتصف القرن السابع للهجرة، حين استحدثت أسرة العازفين، التي كان رجالاتها من أعلام مدينة فاس ورؤسائها، عادة الاحتفال بالمولد النبوي. سرعان ما انتقل هذا الاحتفال إلى الأوساط الشعبية، حيث أقيمت حفلات في الزوايا وحتى في المنازل، تخللتها التغني بالقصائد والمولديات والمقطعات المديحية.
وفي هذه المجالس الروحانية، يتناشد المسمعون بأصواتهم القصائد والمقطعات والقدود، قائمة على الأنغام والطبوع المتداولة في الموسيقى الأندلسية، دون مصاحبة آلية، حيث يُصغي الحاضرون بحسن استماع إلى محاسن السماع.
أما طبع "رمل الماية"، فيُعتبر، بحسب البعض، من أفضل الطبوع وأكثرها استعمالًا، لأنه قادر على استجلاء معاني التعظيم والجلال التي تليق بشخص النبي الأعظم.
وبصفة عامة، فإن الفنون الموسيقية، رغم تجسدها في وحدة العناصر، فإن الموسيقى الدينية تظل محملة بأساليب أدائها وتقليدها الخاص بالمناسبات الدينية، والتي تُنشد وفق معايير محددة. ومن بين هذه الفنون: موسيقى الصوفية، وموسيقى الأذان وترتيل القرآن، وفن السماع والمديح، الذي ازدهر بالمغرب بفضل الزوايا التي حافظت على تقاليده وأضافت عليه موازين معينة. أدى ذلك إلى ظهور أنساق موسيقية خاصة بكل منطقة، مع العناية بالمصادر التي تتناول مولد الرسول وما يحيط بهذا الحدث العظيم.